إعداد الباحث
حسين إبراهيم علي البادي

انتهى العصر الهلنستي في حدود القرنين الثاني أو الثالث بعد الميلاد ولا يزال الباحثون لا يعرفون عن القرون القليلة التي تلت ذلك وسبقت ظهور الإسلام إلا النزر اليسير، وفي عام 622 ميلادية بزغ فجر الإسلام في الجزيرة العربية وكان أهل عمان والإمارات من أوائل الأقوام التي اعتنقت هذا الدين طوعا بعد أهل اليمن ورغم غياب المواقع الأثرية المكتشفة والعائدة لعصر صدر الإسلام إلاّ أن المصادر التاريخية المختلفة ككتب المعاجم وكتب السيرة والتراجم والملاحم والأدب وغيرها من مصادر المعرفة ذكرت الكثير من المواضع والمدن في الإمارات الآن والتي إرتبط ذكرها بأحداث تاريخية خلدت ذكرها وظلت شاهدا على وجودها في العصور الإسلامية الأولى وقبلها بزمن بعيد، وذكرها المعنيون في كتبهم ومؤلفاتهم المختلفة، بالإضافة للإكتشافات الأثرية التي تطالعنا بها الجهات المعنية بين الحين والآخر في مختلف مدن ومناطق الدولة، والتي تكشف عن بعض المناطق الأثرية التي تعود للعصر الإسلامي الأول وما يليه من عصور.

مدن تاريخية
اشتهرت الكثير من المدن والمواضع في الإمارات كمدينة دبا وكلباء وخورفكان والشارقة ودبي والفجيرة والصير وحتا وخت وجلفار والبدية وقذفع وبينونة والمجن وتؤام “العين” والجواء “ليوا” وحفيت وجواثا وشط بني جذيمة “الجميراء” وغيرها من المواضع والمدن التي ذكرت في هذه المصادر المختلفة فتواترت الأخبار عن وجودها ومواضعها وأسهبت في الحديث والكتابة عنها وقد جاءت بعض التسميات لمدن ومواضع في الجزيرة العربية والخليج العربي تحمل بعض تلك الأسماء الواردة في المصادر والمراجع مطابقة لأسماء مدن حديثة موجودة في عصرنا الحالي والتي نؤكد بها بأن معظم أسماء المناطق المعروفة الآن في الجزيرة العربية وسواحل الخليج والمتوارثة منذ قرون مضت هي من الأسماء الموروثة منذ صدر الإسلام الأول وقبله أيضا والبعض الآخر من الأسماء لمدن ومواضع ليس لها وجود على خارطة دول الجزيرة العربية في عصرنا الحالي ولكن ذكرت لأحداث ومناسبات تاريخية ارتبطت بهذه المدن والمواضع مجهولة الموقع أو يوجد خلاف وآراء متباينة حول تحديد موضعها حاليا والتي قد تكون تغيرت وتحرفت بسبب هجرها لمدة معينة وإعمارها من جديد لتحمل اسما جديدا مرتبطة بأقوام أو أحداث مما يجعلنا في وضع البحث والدراسة حول هذه التسميات وتحديد مواقعها وفق الدراسات التاريخية والجغرافية الموضوعية لتحديد مواطن هذه التسميات للمدن القديمة ومدى صلتها بالأسماء المتواترة لهذه المدن والمواضع القائمة والموجودة حاليا والتي تحمل نفس الأسماء القديمة المذكورة في المصادر التاريخية والجغرافية وغيرها من المصادر المختلفة لنخرج بنتيجة توضح مدى إرتباط هذه التسميات بهذه المدن والمواضع القديمة التي كانت مأهولة بالسكان منذ القدم بأنها قديمة جدا قدم شعوب هذه المواطن وإنها من الأسماء القديمة المتوارثة لهذه المناطق منذ تلك العصور القديمة.

جاءت الأدلة المادية المتمثلة بالآثار والمواقع الأثرية العديدة المنتشرة في الإمارات لتثبت تفاعل أهل المنطقة وتأثرهم بالإسلام منذ الوهلة الأولى لبزوغه. ومن هذه المواقع الأثرية مدينة دبا ومدينة جلفار والمستوطنة الإسلامية في مدينة قذفع في الفجيرة والتي تعود الى حوالى القرن السادس عشر الميلادي، كما يدل الموقع الأثري الإسلامي في منطقة جميراء في دبي والتي تعود للعصر الإسلامي الأموي المتأخر والعباسي الأول على أن هذه المنطقة قد احتلت مركزا مرموقا بين المدن المعروفة في المنطقة.

دبا
من تلك المدن التي ذكرت ولا يكاد يخلو أي مصدر قديم من ذكرها مدينة دبا والتي لا يختلف أحد بأنها هي الموجودة الآن التي ارتبط ذكرها بالكثير من الأحداث التاريخية الإسلامية كحروب الردة وكونها من أكبر أسواق عمان والجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام لعصور قريبة من هذا العصر. وكانت دبا موطنا لقبيلة “عتيك” الأزدية. وقد ذكرها صاحب كتاب “الروض المعطار في خبر الأقطار” فقال: دبا مثل عصا، موضع بظهر الحيرة، ودبا فيما بين عمان والبحرين (وهي إشارة لموضع آخر بين إقليم البحرين وإقليم عمان وهو موضع دبي وسيأتي تفصيل ذلك عند ذكر موضع دبي)، وكان وَفَدَ الأزد من أهل دبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام، فبعث فيهم مصدقا منهم يقال له حذيفة بن اليمان الأزدي من أهل دبا، وكتب له فرائض صدقات أموالهم ثم رسم له أخذها من أغنيائهم وردها على فقرائهم، ففعل ذلك حذيفة ورد فاضلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يجد لها موضعا، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وارتدوا، فدعاهم حذيفة إلى التوبة فأبوا، وأسمعوه شتم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا قوم أسمعوني الأذى في أمي وأبي ولا تسمعوني الأذى في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا إلاّ ذاك وجعلوا يرتجزون:

لقد أتانا خبر ردي

أمست قريش كلها نبي

ظلم لعمر الله عبقري

فكتب حذيفة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه بما كان منهم فاغتاظ أبوبكر عليهم غيظا شديدا وقال: من لهؤلاء ويل لهم، ثم بعث إليهم عكرمة ابن أبي جهل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على سفلى بني عامر بن صعصعة مصدقا، فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انحاز إلى تبالة في أُناس من العرب ثبتوا على الإسلام، فكان مقيما بتبالة فجاءه كتاب أبي بكر رضي الله عنه، وكان أول من بعث بعثة إلى أهل الردة: أن سرْ فيمن قبلك من المسلمين إلى أهل دبا، فسار عكرمة في نحو ألفين من المسلمين ورأى أهل الردة لقيط بن مالك فلما بلغه مسير عكرمة بعث ألف رجل من الأزد يلقونه، وبلغ عكرمة أنهم في جموع كثيرة فبعث طليعة، وكان لأصحاب لقيط أيضا طليعة، فالتقت الطليعتان وتناوشتا ساعة ثم انكشف أصحاب لقيط، وبعث أصحاب عكرمة فارسا يخبر عكرمة، فلما أتاه الخبر أسرع بأصحابه ومن معه حتى لحق طليعه ثم زحفوا جميعا ميمنة وميسرة وسار على تعبئة حتى أدرك القوم فالتقوا فاقتتلوا ساعة، ثم رزق الله تعالى عكرمة عليهم الظفر فهزمهم وأكثر فيهم القتل، ورجعوا منهزمين أجمعين إلى لقيط بن مالك، فأخبروه أن جمع عكرمة مقبل إليهم وأنهم لا طاقة لهم بهم، وفقدوا من أصحابهم بشرا كثيرا، منهم من قتل ومنهم من أُسر، فلما انتهوا إلى لقيط مفلولين قوي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بمن معه من المسلمين فناهضهم وناوشهم، وجاء عكرمة في أصحابه فقاتل معهم فأصابوا منهم مائة أو نحوها في المعركة ثم انهزموا حتى دخلوا مدينة دبا فتحصنوا فيها وحصرهم المسلمون شهرا أو نحوه وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا أخذوا له أُهبة، فأرسلوا إلى حذيفة رجلا منهم يسأله الصلح فقال: إلاّ (أخيرهم) بين حرب مجلية أو سلم مخزية، قالوا: أما الحرب المجلية فقد عرفناها فما السلم المخزية؟ قال: تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وان ما أخذنا منكم فهو لنا وما أخذتموه منا فهو رد علينا، وأنّا على حق وأنكم على باطل وكفر، نحكم فيكم بما رأينا فأقروا بذلك، فقال: اخرجوا من مدينتكم عزلا لا سلاح معكم، ففعلوا، فدخل المسلمون حصنهم، فقال حذيفة رضي الله عنه: إني قد حكمت فيكم أن أقتل أشرافكم وأسبي ذراريكم، فقتل من أشرافهم مائة رجل، وسبي ذراريهم، وقدم حذيفة رضي الله عنه بسبيهم إلى المدينة، وهم ثلاثمائة من المقاتلين وأربعمائة من الذرية والنساء، وأقام عكرمة بدبا عاملا عليها لأبي بكر رضي الله عنه، فلما قدم حذيفة رضي الله عنه بسبيهم إلى المدينة اختلف فيهم المسلمون، فكان زيد بن أسلم يحدث عن أبيه أن أبا بكر من المقاتلين، فكان من كلام عمر رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله قوم مؤمنون إنما شحوا على أموالهم والقوم يقولون: والله ما رجعنا عن الإسلام ولكن شححنا على أموالنا، فيأبى أبو بكر رضي الله عنه أن يدعهم بهذا القول، ولم يزالوا موقفين بدار رملة حتى توفي أبو بكر رضي الله عنه وولي عمر رضي الله عنه فدعاهم فقال: قد كان من رأيي يوم قدم بكم على أبي بكر رضي الله عنه أن يطلقكم وقد أفضي إليّ الأمر فانطلقوا إلى أي البلاد شئتم فأنتم قوم أحرار لا فدية عليكم، فخرجوا حتى نزلوا البصرة، وكان فيهم أبو صفرة والد المهلب وهو غلام يومئذ، وكان في من نزل البصرة.

حتا
من مدن الدولة الشهيرة والقديمة “حتا” التي جاء ذكرها في معجم البلدان لياقوت الحموي بقوله حتى: مقصور، بلفظ حتى من الحروف، من خط ابن مختار من خط الوزير المغربي أنه اسم موضع ؛ قال نصر: حتى من جبال عمان أو “جبله”، وتكتب في وقتنا الحضر “حتا” بألف ممدودة. ذكرها أبو العلاء المعري في كتابه “رسالة الصاهل والشاحج” بقوله: و”حتى” إذا حملناها على اللفظ العربي، وجب أن تقلب ياؤها ألفا فتقول: حتى، في لفظ الحرف الذي ينصب به الفعل. لأن الياء إذا وقعت طرفا وقبلها فتحة قلبت ألفا. ألا ترى إلى قولهم: رحى وهدى كيف قلبوا الياء فيهما إلى الألف؟ “رسالة الصاهل والشاحج” لأبي العلاء المعري 363: 449 ه تحقيق د. عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ الطبعة الثانية 1984 صفحة (627).

وحتا من حواضر دبي الآن وقد تم اكتشاف الكثير من الآثار والنقوش والرسومات والمنحوتات التي تعود لعصور قديمة جدا من العصر الحجري الى العصور الإسلامية المتقدمة والمتأخرة.

العوير
ومن المواضع التي ذكرت في كتب الأدب موضع “العوير” فقد جاء في كتاب “رسالة الصاهل والشاحج” لأبي العلاء المعري (363: 449 هجرية ) بعد أن ذكر “كاظمة” وهي الكويت حاليا ونزولا باتجاه عمان مارا على سيف البحر، قوله: وجائز أن تنزل البادية ب “ العوير” وما تصنع الحاضرة بهذا الاسم وإنما هو من عور العين أو عورت المياه، أو غير ذلك مما يكره، وقد يجوز أن يأتي الخير والنفع من هذه الأسماء، كما قال “امرؤ القيس”:

لكن عُوَيرٌ وَفَى بذمته

لا عَوَرٌ شانَهُ ولا قِصَرُ

وقد كان أهل هذه البلدة تمضي طائفة منهم إذا خرج العدو، إلى “حتى “ يُعصِمون بمغارة هناك. وأعوذ بالله من هذا الرأي. وقد جرى على اللاجئين إلى المغاير مالا يجب أن ينسى أهل التجربة مثله، وهو كما قال جل اسمه: “فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم”.

كتاب: (رسالة الصاهل والشاحج مصدر سابق ذكره، صفحة 262).

وفي شرح المفردات تقول محققة الكتاب الدكتورة عائشة عبدالرحمن بأن العوير من قرى الشام أو ماء بين حلب وتدمر نقلا عن كتاب البلدان لياقوت الحموي، وتقول عن حتى: “ضبطها ياقوت: مقصورة، بلفظ حتى من الحروف.. قال نصر: حتى من جبال عمان أو جبله. وفي (ق) حتى، بلفظ حرف الغاية والتعليل: جبل بعمان وقرية في عسقلان وهي مضبوطة في النص، بكسر الياء، على الحكاية في لهجة أهلها، كما يلي في السياق”. (كتاب: رسالة الصاهل والشاحج مصدر سابق ذكره حواشي الصفحة 262).

ومن هذا الشرح يستحيل على العاقل أن يصدق بأن أهل قرية العوير الشامية إن غزاهم قوم يلجأوا إلى مغارات لهم تقع في جبل وقرية حتى العمانية، أو قرية حتى العسقلانية لبعد المسافة، ومن هنا يتضح بأن العوير منطقة قريبة من جبال عمان وجبل وقرية “حتى” وهو ما ينطبق على موضع العوير في دولة الإمارات والقريبة من منطقة “حتى”، والتي كانت بها قبائل عربية ترتبط بصلات وثيقة مع قبائل عمان.

وفي عصرنا الحاضر يقول المعمرون من أهل هذه المنطقة ممن كان آباؤهم وأجدادهم لقرون طويلة يستوطنونها بأن سبب التسمية آتٍ من بئر ماء قديمة جدا يطلق عليها “يهلية” أي جاهلية لقدمها وجهل من حفرها وأنه توجد بئر حديثة حفرها الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم حاكم دبي (1906-1912) قبل أن يصبح حاكما لدبي حيث كان دائم المكوث في داخلية دبي وفي هذه المناطق التابعة لها، ولعله سمى البئر بهذه التسمية “العوير” إحياءً للمسمى القديم، ويذكر المعمرون من آل حميدان من عشيرة آل بوفلاسا سكان هذا الموضع القدامى بأن زوجة الشيخ بطي بن سهيل الشيخة علياء بنت أحمد بن دلموك الفلاسي رغبت في إنشاء مصيفا لها في هذه المنطقة فأوعزت لرجل يدعي ابن فهد وهو من عشيرة آل بومهير من سكان جميرا، بحفر البئر فقام بحفر العديد من الآبار التي كان ماؤها مالحا فأشار عليه الشيخ بالحفر في هذا الموضع لإحساسه بوجود الماء فيه وقام ابن فهد بالحفر حتى إذا وصل إلى عمق ثماني عشرة، قامة وهو العمق الطبيعي لوجود الماء في هذه المنطقة قال إن البئر “عوير” أي ليس به ماء فقال له الشيخ: أكمل الحفر حتى إذا وصل إلى عمق أربع وعشرين قامة صرخ بأنه وجد الماء وأنه أعذب من أي ماء وجده في الآبار التي حفرها أو شرب ماءها فسرى على البئر اسم “العوير” ومن ثم سرى الاسم على كل المنطقة التي كانت تسمى قبل ب “وادي الجرن”، أي “وادي القرن” و”القرن” في لغة العرب هو الكثيب الرملي الكبير مثل العرقوب والتلة وغيرها من ألفاظ، وتعود تسميتها لمئات سنين مضت، ذكرها الشاعر المعروف: ابن ظاهر “المتوفي حوالى العام 1023 هجرية في قصيدته الشهيرة التي ذكر فيها الكثير من المواقع في دولة الإمارات.

كلباء
ومن المواضع القديمة في الدولة أيضا موضع “ كلباء” والتي جاءت تسميتها من شقين “ك” وهو حرف الجر و” الباء” وهو من الحروف الهجائية العربية أي انها مثل حرف الباء في شكلها وصورتها، وقد ذكرها ابن بطوطة في كتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” والذي يذكر فيه ذكرياته ومشاهداته في المناطق التي زارها ومنها منطقة الخليج العربي وعمان، وقد زار المنطقة بعد مروره بمدينة ظفار العمانية في شهر المحرم الحرام سنة ثمان وأربعين وسبعمائة للهجرة الشريفة، حيث ذكرها بقوله: “ووجدت سلطانها في هذه الكرة - يعني سلطان ظفار - الملك الناصر بن الملك المغيث الذي كان ملكا بها حين وصولي إليها فيما تقدم ونائبه سيف الدين عمر أمير جندر التركي الأصل وأنزلني هذا السلطان وأكرمني ثم ركبت البحر فوصلت مسقط “بفتح الميم” وهي بلدة صغيرة بها السمك الكثير المعروف بقلب الماس ثم سافرنا إلى مرسى القريات “وضبطها بضم القاف وفتح الراء والياء آخر الحروف وألف وتاء مثناه” ثم سافرنا إلى مرسى شبة وضبط اسمها بفتح الشين المعجم وفتح الباء الموحدة وتشديدها ثم إلى مرسى كلبة ولفظها على لفظ مؤنثة الكلب ثم إلى قلهات وقد تقدم ذكرها وهذه البلاد كلها من عمالة هرمز وهي محسوبة من بلاد عمان”.

خور فكان
ومن المدن الشهيرة بالدولة “خور فكان” التي جاء ذكرها في المعاجم كثيرا وارتبط اسمها بالكثير من الأحداث التاريخية التي شهدتها المنطقة إبان الغزو البرتغالي الشرس على المنطقة منها مذكرات الرحالة ابن بطوطة، وجاء ذكرها في معجم البلدان بقوله: “وخورفكان: بليد على ساحل عمان، يحول بينه وبين البحر الأعظم جبل، وبه نخل وعيون عذبة”، وجاءت تسميتها من مقطعين “خور” وهو اللسان المائي الممتد في اليابسة، و”فكان” وهي مثنى “فك” وكان شكل هذا الخور يشبه فك الإنسان حين يفتح فمه.

خت
وكذلك تشتهر “خت” التي ذكرت في المعاجم المختلفة، فقد ذكرها صاحب كتاب معجم البلدان: “خت: بفتح أوله، وتشديد ثانيه: مدينة من نواحي جبال عمان: والخت عند العرب: الطعن والاستحياء والشيء الخسيس كأنه لغة في خس”. ويقال أيضا إن “خت” التي تقع بالقرب من “وادي عم”

العين مدينة القلاع وروضة الازهار

تعتبر مدينة العين حديقة الامارات التي غرس فيها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الزرع والنخيل حتى باتت روضة تسر الناظرين واليوم نلقي الضوء على تلك المدينة التي ذكرت في المصادر التاريخية والجغرافية والادبية.


كانت العين قديما تسمى “الجو” ثم غلب عليها اسم “تؤام” ولعل التسمية جاءت بعد أن نهضت بقربها مدينة أخرى سميت “تؤام” من التوأم أي أن المدينتين متشابهتان كالشقيقتين التوأم، أو لتشابهها بقرية أخرى تسمى “الجو” فشبهت بها وقيل عنها إنها توأم لتلك المدينة الأقدم والأشهر، وقد جاء في معجم البلدان للحموي قوله: “تؤام: بالضم ثم فتح الهمزة، بوزن غلام: اسم قصبة عمان مما يلي الساحل، وصحار قصبتها مما يلي الجبل:

والتؤام جمع توأم، وعزيز وقال ابن السكيت: ولم يجئ شيء من الجمع على فعال إلا أحرف ذكر منها تؤام جمع تؤام، وأصل ذلك من المرأة إذا ولدت اثنين في بطن، ويقال: هذا توأم هذا إذا كان مثله، وقال نصر: تؤام قرية بعمان بها منبر لبني سامة. وتؤام: موضع باليمامة يشترك به عبدالقيس والأزد وبنو حنيفة. وتؤام: موضع بالبحرين، كذا في كتاب نصر، وما أظن الذي بالبحرين إلا هو الذي ينسب إليه اللؤلؤ لأن عمان لا لؤلؤ بها. وهذه إشارة إلى أن تؤام هذه قرية صحراوية وليست ساحلية كالأخرى التي في البحرين ويكون المقصود بها هنا مدينة العين الحالية وما حولها من قرى وبلاد والتي كانت إلى عصور قريبة تسمى “جو” وتنطق “يو””.

وذكر صاحب كتاب معجم ما استعجم قول البكري: “اختلف في اللفظ بهذا الموضع، فقيل تؤام، بضم أوله، وهمز ثانيه، على وزن فعال، كذلك حكاه الأخنس عن الأصمعي: هو موضع بالبحرين، وهو مغاص اللؤلؤ. وقال ابن قتيبة: تؤام قصبة عمان.

مما جاء في هذه المصادر قولهم باختلاف الرأي في تحديد مكان هذا الموضع فإن في قولهم أيضا التأكيد والتبيين بموقع هذا الموضع وهو مدينة العين الحالية ومنطقة البريمي التي كانت لزمن قريب تذكر في المصادر المحلية والعمانية باسم تؤام وقولهم إن بها منبر لبني سامة وهم بنو سامة بن لؤي وتحديدهم بأنها تقع باليمامة ويشترك في سكنها عبد القيس والأزد وبنو حنيفة الدليل على أن المقصود بها مدينة العين والتي كانت تعرف منذ القدم ولها تاريخ عريق شهدت عليه الآثار المكتشفة فيها والتي تعود لآلاف السنين ومنها ما يعود إلى عصور إسلامية مثل المقابر والمسجد الذي يعود إلى القرن الخامس الهجري وغيرها من مواقع أثرية إسلامية، بالإضافة لورود اسمها في معظم المصادر العمانية المكتوبة والتي تعود للقرون القليلة الماضية بهذه التسمية، وهي دلالة على تواتر هذا الاسم على هذه المنطقة واندثاره عن غيره من المواضع التي قد تكون عرفت بهذه التسمية أو دلالة على أنها المقصودة بكلتا الحالتين.



الجو



وأشرنا إلى أن المدينة كانت تعرف باسم “الجو” قبل أن تشتهر باسم “تؤام” وجاء ذكر هذا الاسم كثيرا في المعاجم القديمة منها: جو: اسم اليمامة كأنها سميت بذلك؛ الأزهري: كانت اليمامة جوا، قال الشاعر: أخلق الدهر بجو طللا.

وقال الأزهري: الجو ما اتسع من الأرض واطمأن وبرز وفي بلاد العرب أجوية كثيرة كل جو منها يعرف بما نسب إليه، فمنها جو غطريف وهو بين الستارين والجماجم، ومنها جو الخزامي، وجو الإحساء، وجو اليمامة، وقال طرفة: خلا لك الجو فبيضي واصفري

وقال أبو عبيد: الجو في بيت طرفة ما اتسع من الأودية. والجو: اسم بلد. وهو اليمامة يمامة زرقاء. ويقال جو مكلي أي كثير الكلأ، وهذا جو ممرع، وقال الأزهري: دخلت مع أعرابي دحلا بالخلصاء، فلما انتهينا إلى الماء قال: هذا جو من الماء لا يوقف على أقصاه. الليث: الجواء موضع، قال: والفرجة التي بين محلة القوم وسط البيوت تسمى جواء. يقال: نزلنا في جواء بني فلان، وقول أبي ذؤيب: ثم انتهى بصري عنهم وقد بلغوا بطن المخيم فقالوا الجو أو راحوا.

قال ابن سيدة: المخيم والجو موضعان، فإذا كان ذلك فقد وضع الخاص موضع العام كقولنا ذهبت الشام، قال ابن دريد: كان ذلك اسما لها في الجاهلية، وقال الأعشى:

فاستنزلوا أهل جو من منازلهم وهدموا شاخص البنيان فاتضعا

وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان:

الجو: بالفتح، وتشديد الواو، وهو في اللغة ما اتسع من الأودية، قال بعضهم:

خلا لك الجو فبيضي واصفري

وجو: اسم لناحية اليمامة، وانما سميت اليمامة بعد باليمامة الزرقاء في حديث طسم وجديس، وقد ذكر في اليمامة، قال جحدر اللص:

وأن امرأ يعدو، وحجر وراءه وجو ولا يغزوهما لضعيف

إذا حلة أبليتها ابتعت حلة كسانيها طوع القياد عليف

سعى العبد إثري، ساعة، ثم رده تذكر تنور له ورغيف

وقال بعضهم:

تجافت عن جو اليمامة ناقتي وما عدلت عن أهلها لسواكا

وجو الخضارم: باليمامة، وجو الجوادة: باليمامة، وجو سويقة وقد ذكرت فيما أضيف اليه جو، وجو أثال، وجو مرامر يقال لهما الجوان، وهما غائطان في بلاد بني عبس أحدهما على جادة الطريق، وجو: قرية بأجأ لبني ثعلبة بن درماء وزهير، وفيهما يقول شاعرهم:

وأجأ وجوها فؤادها

إذا القنى كثير انخضادها

وصاح في حافاتها جذاذها

قال: القنى جمع قنو، وهي أعذاق النخل. وجذاذها: صرامها. وجو أيضا: أرض لبني ثعل بالجبلين، قال امرؤ القيس:

تظل لبوني بين جو مسطح

تراعي الفراخ الدارجات من الحجل

ولعلها التي قبلها. وجو برذعة: في طرف اليمامة في جوف الرمل نخل لبني نمير. وجو أوس: لبني نمير أيضا، قال أبو زياد: وهذه الجواء لبني نمير في جوف الرمل وليس في قعرها رمل إنما الرمل محيط بها، وربما كان سعة الجو فرسخا أو أقل من ذلك. وجو الضبيب، تصغير ضب: لبني نمير أيضا فيه نخل، وهو أوسع مما ذكرت لك وأضخم ومعهم حلفاؤهم بنو وعلة بن جرم بن ربان، وجو الملا: موضع في أسفل الملا كان لبني يربوع فحلت عليها فيه بنو جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين بن أسد وذلك في أول الإسلام فانتزعته منهم، ففي ذلك يقول الخنجر الجذمي:

ومن يتداع الجو بعد مناخنا وأرماحنا يوم ابن ألية تجهل

وليس ليربوع، وإن كلفت به من الجو إلا طعم صاب وحنظل

وليس لهم، بين الجناب مفازة وزنف، وإلا كل أجرد عنتل

وكل رديني، كأنّ كعوبه نوى القسب عراص المهزة منجل

فما أصبح المآن يفترطانه زبيد، ولا عم، و بحق مؤثل

كأنهم ما بين ألية غدوة وناصفة، الغراء هدي محلل

الغراء: جو في رأس ناصفة قويرة، ثم وقعت الخصومة حتى صار لسعد بن سواءة وجذيمة بن مالك وخنجر من بني عمرو بن جذيمة.

وكانت العين والتي عرفت بالجو وتؤام تقع قديما ضمن منطقة تعرف باليمامة والتي كانت تقع بين أقاليم عمان، والبحرين، واليمن، وكان الجغرافيون والتاريخيون العرب يقسمون الجزيرة العربية إلى أقاليم هي الحجاز وعمان واليمن والبحرين وغيرها يقسمها إلى أكثر من هذه التقسيمات ويضع اليمامة إقليما بذاته.

واليمامة هي المنطقة التي تمتد من منطقة السهول الساحلية لسواحل الإحساء ممتدة إلى سواحل قطر والإمارات في الظفرة إلى الختم الملاصق لدبي، وذكر ياقوت الحموي في كتابه “البلدان اليمانية” بقوله: “واليمن وما يتصل بها من اليمامة وعمان والبحرين” وهي إشارة إلى أن اليمامة تأتي بعد حدود اليمن وقبل إقليم عمان الذي تعتبر تؤام قصبتها أي بدايتها ومدخلها وهي مدينة العين حاليا، وبعده تأتي البحرين التي تبدأ من حدود “بينونة” حسب بعض الآراء ومن حدود “الصير” أي الشارقة ورأس الخيمة حسب أقوال أخرى، وأن اليمامة تلي حدود اليمن والتي تعتبر صحار قصبتها ومدخلها أو تقع بين الساحل وهي حدود البحرين القديمة وعمان التي تنتهي عن قصبتها تؤام فتكون اليمامة بين الساحل والصحراء فتكون في موقع أبوظبي حاليا من الختم إلى بينونة وليوا بالداخل.